مُلخص تاريخي لحركات الصلاة ٧/٢٤

خيمة داود

كان الملك داود رجل “الأمر الواحد” (مز ٤:٢٧). حوالى عام ١٠٠٠ ق.م أمر داود بإعادة تابوت عهد الرب لعاصمته الجديدة أورشليم على أكتاف اللاويين وسط التسبيحات وآلات العزف. وقام بوضعه هناك فى خيمة وعيَّن مائتين وثمانية وثمانين مُسبح نبوي وأربعة آلاف مغنٌى للخدمة أمام الرب، للتذكير والشكر وتسبيح الرب (١ أخ ١:١٥ – ٢٧:١٧). لم يكن لهذا الحدث سابقة فى كل تاريخ إسرائيل لكنها كانت خطة الله لإسرائيل.

ترتيب داود فى العبادة

برغم أن الخيمة إستُبدِلت بهيكل، لكن نظام داود فى العبادة إستُعيد عن طريق سبعة من القادة فى تاريخ مملكتى إسرائيل ويهودا. فى كل مرة أعيد إدخال هذا النظام فى العبادة كان يتبعه إختراقات روحية ،كذا تحرير ونصرة عسكرية

  • أوصى سليمان أن العبادة فى الهيكل تكون بحسب وصية داود (٢ أخ ١٤:٨-١٥).
  • يهوشافاط هزم مؤاب وعمون عندما أقام مغنيون بحسب نظام داود: مغنيون أمام الجيش لغناء التسبحة العظيمة. يهوشافاط أعاد ترتيب داود فى العبادة إلى الهيكل (٢ أخ ٢٠:٢٠ – ٢٢، ٢٨).
  • يوآش (٢ أخ ١:٢٣ – ٢٧:٢٤).
  • حزقيا طهر وأعاد تقديس الهيكل واسترد ترتيب داود للعبادة (٢ أخ ١:٢٩-٣٦؛ ٢١:٣٠).
  • يوشيا إسترجع أمر داود للعبادة (٢ أخ ١:٣٥-٢٧).
  • عزرا ونحميا عند عودتهم من بابل أعادا قضاء داود فى العبادة (عز ١٠:٣؛ نح ٢٨:١٢-٤٧).

يظن المؤرخون أنه فى زمن المسيح إستردت جماعة Essenes من البرية اليهودية فى بحثهم عن الشركة مع الله، نظام داود فى العبادة كجزء من حياة الصلاة والعبادة التى عاشوها.

الصلاة المستمرة ٧/٢٤ فى الرهبنة

لأكثر من ألف سنة لعبت الرهبنة (التقيد والتعهد بحياة الطهارة والطاعة والفقر الإختيارى لرفع الروحانية) دورا هاماً فى بلورة لاهوت وممارسة الكنيسة. من القرنين الرابع والخامس قَبِل المجتمع الرهبان والراهبات كجزء منه. لقد كانت الرهبنة المهد الذى ولدت فيه الصلاة المستمرة بلا توقف (laus perennis- التعبيرالاتيني) فى عصر الكنيسة.

بعض الشخصيات المفتاحية لهذا التقليد هم

إسكندر الأكيميتى والساهرون

ولد إسكندر فى آسيا الصغرى وتعلم فى القسطنطينية ثم إنضم للجيش الرومانى. تحدته كلمات يسوع للشاب الغنى فى إنجيل متى ٢١:١٩ فباع ممتلكاته وإنسحب من حياة القصر إلى الصحراء. يشير التقليد أن إسكندر أشعل النار فى معبد وثنى بعد سبع سنين من التوحد. عند القبض عليه وسجنه، قام إسكندر بتبشير حاكم السجن وبيته وعاد سريعاً إلى مكان توحده فى الصحراء. لكن للأسف بعد ذلك بوقت قصير تعرض إلى مجموعة من اللصوص. لكن غيرته للكرازة لم يمكن السيطرة عليها وصنع من هؤلاء الخارجين عن القانون تابعين مكرسين للمسيح. وأصبحت هذه المجموعة نواة لمجموعته من الرهبان.

حوالى عام ٤٠٠ ميلادية عاد إلى القسطنطينية معاً ٣٠٠ او ٤٠٠ راهب وأسس هناك  laus perennis – (الصلاة المستمرة) لتتميم وصية بولس بالصلاة بلا إنقطاع (١ تس ١٧:٥). خروجاً من القسطنطينية، أسس الرهبان ديراً فى جورمون عند فم البحرالأسود. وأصبح هذا الدير تابعاً لنظام الأكميتيين ( الساهرين). توفى إسكندر فى هذا المكان عام ٤٣٠ ميلادية، لكن تأثير الرهبان الساهرين إستمر. إنقسمت البيوت إلى ستة فرق تُصلى على مدار اليوم كله، كل فريق يتسلم من الفريق السابق لخلق جو من الصلاة والعبادة المستمرة أربعة وعشرين ساعة فى اليوم.

يوحنا، الأب الثانى بعد الأكيميتى، شيد ديراً آخراً على الشاطىء الشرقى للبسفور، يشار إليه فى عدة كتابات قديمة بالدير العظيم أو البيت الأم للأكيميتيين. المكتبة الموجودة فى هذا الدير معروفة بعظمتها عبر كل الإمبراطورية البيزنطية وكانت مرجعاً لآباء كثيرين.  رئيس الدير اللاحق أسس ديراً فى العاصمة تحت إشراف القاضى الملكى ستوديوس والذى كرس هذا الدير ليوحنا المعمدان. ستوديون أصبح مركزاً معروفاً للتعليم والتقوى ويعد أهم أديرة القسطنطنية. إستمر هذا المكان حتى عام ١٤٥٣ عندما إحتل الأتراك القسطنطينية.

التأثير الباقي للساهرين هو إسهامهم فى تغيير طريقة العبادة بالكنيسة. هذه الأديرة -التى يصل عددها إلى مئات وأحياناً آلاف- كانت مقسمة إلى مجموعات عرقية من اللاتينيين، السوريين والمصريين ثم إلى فرق. بالإضافة إلى الصلاة المستمرة laus perennis التى إنتقلت إلى الكنيسة الغربية على يد القديس موريس من أجون نفذت هذه الأديرة حرفياً الوصية الموجودة فى مزمور ١٦٤:١١٩ “سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي النَّهَارِ سَبَّحْتُكَ عَلَى أَحْكَامِ عَدْلِكَ”. وأصبح هذا جزءاً أساسياً من الترتيب البنديكتى لسبع ساعات من الصلاة.

أجونوم

فى عام ٥٢٢ ميلادية، قام الأب أمبروسيوس بجذب الإنتباه إلى دير صغير موجود فى سويسرا. يُخبرنا التاريخ أنه حوالى عام ٢٨٦ ميلادية، أُرسلت فرقة عسكرية مصرية من مدينة طيبة تحت قيادة موريس دى فالو لإحباط محاولة للتمرد فى منطقة جولز فى شمال المملكة. فى طريقهم إلى هناك، كان الجيش المكون من المسيحيين المصريين مخيميين فى منطقة أجونوم (سويسرا حالياً) حيث أُمروا بتقديم ذبائح للآلهة الرومانية والإمبراطور طلباً للنصرة. لكن موريس وفرقته العسكرية رفضوا. فأمر الإمبراطور الرومانى ماكسيميان بتعشير هذه الفرقة المكونة من ٧ آلاف جندياً (قتل واحد من كل ١٠ جنود). عندما رفض موريس إطاعة الإمبراطور أمر بتعشيرهم ثانيةً ثم ثالثةً وهكذا. كل الكتيبة المكونة من ٧ آلاف جندياً مصرياً إستشهدوا.

بالرغم من أن صحة هذه القصة لا تزال تحت البحث إلا أن قصة شهداء الأجونوم إنتشرت لأماكن بعيدة. ما بين عامى ٥١٥ و٥٢١ ميلادية قام سيجيسموند ملك بوروندى بإنشاء دير فى مكان إستشهاد الجنود وحصَّنه ليضمن بقاءه ونجاحه. فى عام ٥٢٢ بدأ رئيس دير القديس موريس الصالمستمرة مرة ٧/٢٤ laus perennis خلفاً للأكميتيين (الساهرين). كانت فرق من الرهبان تقوم بالتسبيح والغناء على مدار اليوم، كل فريق يتسلم من الفريق السابق مستمرين ليلاً ونهاراً. إستمر هذا الأمر حتى حوالى عام ٩٠٠ ميلادية وأثر فى عدة أديرة فى فرنسا وسويسرا.

كومجول وبانجور

تحتوى المابا موندى، أكثر الخرائط الموقرة فى العصور الوسطى، على إشارة لمكان فى حافة العالم المعروف حينئذ يدعى بانجور، أيرلندا. لماذا كان هذا المكان المجهول –حالياً مدينة ساكنة على بعد خمسة عشر ميلاً من بلفاست عاصمة أيرلندا الشمالية- بغاية الأهمية فى العصور الوسطى؟

القديس باتريك وفاليس أنجيلوروم

سارت الرهبنة فى بريطانيا وأيرلندا على خطوط مماثلة لآباء الشرق. كانت والدة القديس باتريك قريبة للقديس مارتين من تورز الذى كان معاصراً للقديس أنطونيوس أبو الرهبنة. لذا ليس مفاجئاً أن نفس نوعية الحياة المتوحدة التى ميزت حياة الرهبان المصريين وُجدت فى أيرلندا.

فى عام ٤٣٣ ميلادية عندما كانت الإمبراطورية الرومانية على وشك الإنهيار، عاد القديس باتريك إلى أيرلندا (كان عبداً على هذه الجزيرة من قبل) وفى قلبه أن يكرز برسالة المسيح للأيرلنديين. تبعه عدد من الرهبان المتوحدين مثل فينيان، بريجيد وكياران. وقد قاموا جميعاً بتأسيس مراكز للرهبنة عبر الجزيرة. بينما كان نظام المسيحية عبر المملكة مؤسساً على أساقفة يشرفون على المدن والقرى، فلم تُهزم أيرلندا مطلقاً ولم يوجد هناك تقسيم لقرى. لهذا السبب لم يؤثر سقوط الإمبراطورية على أيرلندا جاعلاً الأديرة مراكز للتأثير فى المجتمع الأيرلندى.

بحسب الراهب جوسيلين الذى عاش فى القرن الثانى عشر، جاء باتريك ليستريح فى أحد الأودية على سواحل بلفاست لوك (بحيرة بلفاست) فى إحدى رحلاته العديدة. هناك رأى هو واصدقاؤه رؤيا للسماء. يقرر جوسيلين: “لقد رأوا الوادى مغمورا بنور سماوى وسمعوا جوقة سماوية تنشد مزامير بأصوات ملائكية. عُرف هذا المكان باسم “فاليس أنجيلوروم” أو وادى الملائكة. أنشىء دير البانجور فى نفس هذا المكان بعد مائة عام ومن هذا الدير وصلت أنشودة السماء إلى كل أوروبا.

التعريف بكومجول

ولد كومجول -مؤسس البانجور- فى أنتريم (بلدة فى شمال أيرلندا) عام ٥١٧. بعد أن كان جندياً قرر تبنى حياة الرهبنة وبدأ يتدرب لحياته الجديدة. ويسجل التاريخ اسمه كأحد النساك الأيرلنديين فى لوك إيرنى. لكن الظروف التى أحاطت بفترة رئاسته للدير كانت قاسية جداً لدرجة أن سبعة من أصدقائه الرهبان فقدوا حياتهم وإقتنع كومجول أن يترك الدير ويؤسس منزلاً فى بانجور (أو بيانكار التى تعنى القوس ذو القرن ويعتقد أنها تشير إلى الخليج) فى وادى الملائكة الشهير. أقدم السجلات الأيرلندية ترجح أن عام ٥٥٨ م شهد بداية ديرالبانجور.

بانجور مور والتسبيح بلا توقف

فى بانجور، أرسى كومجول نظاماً مشدداً للصلاة والصوم بلا إنقطاع. على عكس ما كان متوقعاً، إجتذب هذا النظام التوحدى الآلاف بدلاً من أن يبعدهم. فى ٦٠٢م. عندما توفي كومجول، تشير التقارير أن ٣٠٠٠ راهب كانوا يأخذون بمشورته. أضحى بانجور مور (أو البانجور العظيم لتمييزه عن الأديرة الإنجليزية المعاصرة له) أكبر مدرسة رهبانية فى أولستر كما أضحى واحداً من الثلاثة أنوار المضيئة فى المسيحية فى تلك المنطقة. مع أيونا، المركز المرسلى العظيم الذى أسسه كولومبا، والبانجور على نهر الدى فى ويلز ،الذى أسسه دينوث، أمسى هذا المثلث تجسيداً وتأكيداً للأناشيد المستمرة بلا توقف.

عبر القرن السادس بقى دير البانجور معروفاً بتسابيحه. هذه التسابيح هى التى حملها المرسلون من البانجور لكل القارة فى القرن التالى (بحسب هاميلتون، قس دير البانجور). سبعة قداديس لسبع الساعات الصلاة كانت تقام كل يوم طوال فترة وجود الدير. قرر الرهبان بعد هذا أن يصلوا صلوات متصلة بلا توقف laus perennis. فى القرن الثانى عشر تحدث بيرنارد كليرفو عن كومجول ودير البانجور قائلاً: “قُـدسية نوبات الصلاة حُفظت وإستمرت بواسطة رهبان خدموا كحراس يُسلِمون بعضهم البعض  حتى أنه لم تنقطع هذه الصلوات ولا لحظة واحدة طوال النهار وطوال الليل. هذا الغناء المستمر كان غناءاً تناوبياً يعتمد على النداء والجواب تحقيقاً لرؤيا القديس باتريك ونفس الممارسة أيضاً فى بيوت القديس مارتين بمنطقة جول. العديد من هذه المزامير دونت فى كتاب الترانيم الخاص بدير البانجور.  والكتاب موجود حالياً فى دير كولومبانوس فى بوبيو بإيطاليا.

مرسلو البانجور

حياة التوحد فى الصلاة والصوم كانت مصدراً للجذب فى البانجور. لكن مع مرور الوقت، أصبح الدير مكاناً مهماً للتعليم. وقد شاع قول فى هذه الأثناء: “أنه إذا كان شخص يعرف اللغة اليونانية فهو بالتأكيد أيرلندى” ويرجع هذا لدير البانجور بنسبة كبيرة. أضحى الدير أيضاً قاعدة إرساليات. حتى هذا اليوم توجد قاعدة لعدة مجتمعات مرسلية فى هذه البلدة. رهبان البانجور معروفون عبر تاريخ القرون الوسطى على أنهم قوى للخير.

فى عام٥٨٠، أخذ ميرين راهب البانجور المسيحية إلى بايسلى حيث مات “مملوءًا قوات وقداسة”.  في عام ٥٩٠، بدأ كولومبانوس النارى -أحد قادة كومجول- رحلته من البانجور مع إثنى عشر أخاً منهم جول الذى زرع أديرة كثيرة عبر سويسرا. فى برجندى، أسس نظاماً رهبانياً صارماً فى لوكسيل مماثلاً للبانجور. من هناك ذهب إلى بوبيو فى إيطاليا وبنى بيتاً أصبح واحداً من أكبر وأجمل الأديرة فى أوروبا. مات كومجول فى عام ٦١٥ لكن بحلول عام  ٧٠٠ ميلادية، كان قد زُرع مائة دير جديد فى فرنسا، ألمانيا وسويسرا. من الرهبان الآخرين الذين خرجوا من البانجور مولو، فينديتشوا ولوانوس.

نهاية العظمة

إنتهت عظمة البانجور سنة ٨٢٤ بسب هجمات الفايكينج التخريبية، فى غارة واحدة فقط ذُبح تسعمائة راهب. بينما شهد القرن الثانى عشر إعادة إحياء لهيب تأثير دير الكومجول التى بدأها مالاكاى (صديق قريب لبيرانرد كليرفو والذى كتب “حياة القديس مالاكاى”)، لكن للأسف لم يكن لها تأثير الشعلات الأيرلندية التى أرجعت زحف الظلمة والإنهيار الإجتماعى بتقديم الله لجيل محطم.

كلونى

فى القرنين التاسع والعاشر فرض الفايكينج المستوطنون والمهاجمون طريقة عنيفة على أسلوب الحياة فى أوروبا. تعمقت جذور النظام الإقطاعى وإهتزت أساسات حياة الرهبنة كأسلوب حياة ليس فقط بالهجمات الفعلية مثلما حدث فى البانجور لكن تلت هذه الغارات غزوات من رؤساء قبائل الفايكينج. كرد فعل لهذه الحركة، جاء الإصلاح فى نواحِ كثيرة، أهمهم فى الكنيسة الغربية كانت النظم الكلونى.

عام ٩١٠، أسس ويليام التقى دوق أكيتين بفرنسا ديراً تحت رعاية الأب بيرنو مؤسساً نظاماً أشد صرامة من النظام البنديكتى. أنعم ويليام على الدير من أمواله الخاصة لكن الأهم من ذلك أنه منح الدير حرية فى ناحيتين. نظراً للهبات المادية، إلتزم الدير بالصلاة والتسبيح بلا توقف ، كما أن إستقلاله عن القيادة العلمانية كان مهماً لأنه جعل الدير يخضع لكنيسة روما مباشرةً.

تولى الأب الثاني رئاسة الدير سنة ٩٢٦. بحسب س. هـ. لورانس “كان تجسيداً حياً للمثال البنديكتى”. غيرته الشديدة للإصلاح ساعدت على نشر تأثير الدير فى كلونى أثناء فترة رئاسته. بسبب إستقلالية الدير، حسن ضيافته وصدقاته الكثيرة إبتعد كلونى عن النظام البنديكتى وأراح الرهبان من الأعمال اليدوية واستبدلها بأوقات أطول فى الصلاة. فى تلك الفترة زاد كثيراُ عدد الأديرة التى إعتبرت كلونى البيت الأم وذاع التأثير فى كل أوروبا.

وصل كلونى لقمة قوته وتأثيره فى القرن الثانى عشر وأشرف على ٣١٤ ديراً عبر أوروبا محتلاً المكانة الثانية بعد روما فيما يتعلق بأهميته للعالم المسيحى. أمسى كلونى مركزاً لتعليم وتدريب لأكثر من أربعة باباوات. النمو المتسارع لهذا الدير إستدعى إنشاء مبان جديدة. فى سنة ١٠٨٩، بدأت الإنشاءات فى دير كلونى تحت قيادة هيو الأب السادس. إنتهت الإنشاءات فى ١١٣٢ وإُعتبر كلونى أحد عجائب الدنيا فى العصور الوسطى. كان أكبر مبنى فى أوروبا بطول ٥٥٥ قدماً حتى بنيت كنيسة القديس بطرس فى روما فى القرن السادس عشر. تكون الدير من خمس أصحن للكنيسة ومدخل (أو مقدمة للكنيسة) مع عدة أبراج وأماكن مبيت للرهبان وغطى مساحة خمسة وعشرين فداناً. الجدير بالذكر أنه قبل حتى بداية هذه الإنشاءات إنحدرت روحانية الديرمما أدى الى إنتهاء تأثير كلونى.

الكونت زينزيندورف والمورافيين

السنين الأولى لزنزيندورف

إصلاح القرن السادس عشر شهد تغييرات كثيرة دخلت للكنيسة الأوروبية وأدى أيضاً لإغلاق عدة أديرة ميتة روحياً (فقدت تأثيرها الروحى). البطل التالى للصلاة المستمرة ٧/٢٤ لم يكن ليظهر حتى بداية القرن الثامن عشر -الكونت نيكولاس لودفيج فون زنزيندورف.

ولد زنزيندورف عام ١٧٠٠ لعائلة أرستقراطية لكنها تقية. مات أبوه عندما كان عمره ستة أسابيع. لهذا السبب تربى الطفل الصغير مع جدته وهى قائدة معروفة لحركة التقوى وصديقة لقائد هذه الحركة وهو الأب الروحى لزنزيندورف- فيليبو سبينير. بسبب تربيته وسط عائلة تحب يسوع ، يتحدث زنزيندورف عن طفولته المبكرة على أنها وقت تعلم فيه التقوى: “فى عامى الرابع، بدأت أطلب الله بكل قلبى وقررت أن أصبح خادماً حقيقياً ليسوع المسيح.”

من عمر العاشرة، تدرب زنزيندورف فى مدرسة هالى للتقوى تحت عينىّ أوجستس فرانكى الملاحظتين وهو قائد فى نفس الحركة. هناك أسس نادٍ تابع للمدرسة إستمر كل حياته ،يدعى الترتيب الموقر honorable order لحبة الخردل. بعد عدة سنوات فى هالى، رأى عم زنزيندورف أنه قد أصبح تقياً بشكل مبالغ فيه فقرر إرساله إلى ويتينبرج ليتعلم المحاماة ويصبح مستعداً لحياة القصر. فى وقت قصير أصبح الكونت الصغير مقبولاً فى عدة دوائر إجتماعية فى أوروبا. إحتفظ زنزيندورف بهذه العلاقات طوال حياته على الرغم من أنه لم يشغل أبداً وظيفته فى محكمة دريسدن ولم يعمل بمنصبه الوزارى فى ساكسون كما كان مخططاً له.

المورافيون وهيرنهوت

فى عام ١٧٢٢، إبتاع زنزيندورف أرض بيرثلدورف من جدته وعَيَّن قساً فى الكنيسة اللوثرية المحلية. فى نفس هذه السنة تقابل مع قس من مورافيا إسمه كريستيان ديفيد. هذا القس أقنعه بمعاناة المسيحيين المضطهدين فى مورافيا. هؤلاء المورافيون المعروفون بإسم اليونيتاس فراترم كانوا بقية أتباع جون هَس فى بوهيميا. إبتداءاً من القرن السابع عشر عانى هؤلاء القديسين على يد السلطة الكاثوليكية .عرض زنزيندورف أن يوفر لهم الحماية على أرضه. بعدها عاد كريستسان ديفيد إلى بوهيميا وأحضر العديد من المورافيين ليستقروا فى أرض زنزيندورف مكونين جماعة هرنهوت (حراسة الرب). نمت الجماعة سريعا لنحو الثلاثمائة  لكن نظراً للإنقسام والإختلافات فى الجماعة، ترك زنزيندورف منصبه فى المحكمة وأصبح قائداَ للأخوة وعمل دستوراً جديداَ للجماعة.

إجتماع المائة سنة صلاة والإرساليات المتتالية

حالة روحانية جديدة تُميز الآن هذا المجتمع بسبب إلتزام الرجال والنساء بفرق أو مجموعات لتشجيع بعضهم البعض فى حياة الإيمان. يُعتبر أغسطس من عام ١٧٢٧ يوم الخمسين للمورافيين. قال زنزيندورف أن يوم ١٣ أغسطس يوم إنسكاب للروح القدس على الجماعة وهو عيد الخمسين بالنسبة لهم. خلال أسبوعين من حلول الروح القدس تعهد أربعة وعشرون رجلاً وأربعة وعشرون سيدة بالصلاة التشفعية لمدة ساعة من ساعات اليوم وهكذا أصبحوا يصلون كل ساعات اليوم بإستمرار. لقد إلتزموا بأن يروا ” نَارٌ دَائِمَةٌ تَتَّقِدُ عَلَى الْمَذْبَحِ. لاَ تَطْفَأُ.” (لا ١٣:٦).

 زادت بعد ذلك أعداد الذين إلتزموا بهذا التعهد إلى حوالى السبعين شخصاً من الجماعة. إجتماع الصلاة هذا إستمر بلا توقف لمدة المائة عام التالية ويراه كثيرون سبب القوة الروحية التى أثر بها المورافيون فى العالم كله.

من غرفة الصلاة فى هرنهوت خرجت غيرة للإرساليات لم يُر مثلها عبر تاريخ الكنيسة. لقد بدأت الشعلة الأولى عندما قابل زنزيندورف الإسكيمو فى الدانمارك الذين قد آمنوا عن طريق اللوثريين. عاد الكونت إلى هرنهوت ونقل غيرته ليرى البشارة تصل لكل الأمم. كنتيجة لهذا خرج كثيرون من الجماعة إلى العالم للكرازة بالإنجيل، بعضهم باع نفسه للعبودية لتتميم الإرسالية العظمى. إحصائية بسيطة توضح هذا التحرك للإرساليات، عادةً عند الحديث عن أعداد المرسلين نجد أن نسبتهم للغير المرسلين ٥٠٠٠:١. المورافيون حققوا نسبة أعلى بكثير وصلت إلى ٦٠:١.

مع حلول عام ١٧٧٦، كانت الجماعة قد أرسلت ٢٢٦ مرسلاً من هرنهوت. نستطيع أن نلمس التأثير العميق للمورافيين على أبا الإرساليات الحديثة ويليام كارى فى تعاليمه حيث نقلوا له غيرتهم للإرساليات. وقد أقبل جون ويسلى للإيمان من خلال المورافيين وتركيزكهم على الإرساليات. حقيقةً لا يمكن قياس التأثير الهائل لهذه الجماعة الصغيرة التى إلتزمت بطلب وجه الرب نهاراً وليلاً فى ساكسونى.

الصلاة المستمرة ٧/٢٤ فى القرن العشرين

عام ١٩٧٣ أسس ديفيد يونجى شو – راعى كنيسة البشارة الكاملة فى سيول بجنوب كوريا “جبل الصلاة” للصلاة نهاراً وليلاً. أصبح هذا الجبل مصدر جذب لملايين الزائرين سنوياً حيث يختلى مصلين فى أماكن الصلاة الموجودة بالجبل. إلتزم شو بالصلاة المستمرة، بالتلمذة فى مجموعات صغيرة فى كنيسته. وربما بسبب هذا نمت كنيسة شو بسرعة لتصبح أكبر كنيسة في العالم من حيث عدد الأعضاء (٧٨٠،٠٠٠ في الوقت الحالي)

فى ١٩ سبتمبر ١٩٩٩، بدأ بيت الصلاة العالمى فى كانساس سيتى بولاية ميسورى إجتماعاً للصلاة إستمر ٢٤ ساعة يومياً لمدة سبعة أيام فى الأسبوع من هذا اليوم حتى الآن. برؤية مماثلة لزينزيندورف “أن النار على المذبح لا تطفأ أبداً” لم يمر أى وقت لم تصعد فيه العبادة والصلاة إلى السماء من ذلك التاريخ وحتى الآن.

فى نفس الوقت وفى أماكن كثيرة حول العالم، يضع الله الرغبة فى الصلاة ٧/٢٤ فى نسيج خدمات كثيرة وفى قلوب القادة. أدى هذا لوجود بيوت صلاة مستمرة ٧/٢٤ وجبال صلاة فى كل قارات الأرض.